سورة هود - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة} أي يتقدمهم وهم على عقبه تفسيراً له وإيضاحاً أي كيف يرشد أمر من هذه عاقبته والرشد يستعمل في كل ما يحمد ويرتضى كما استعمل الغي في كل ما يذم ويقال قدَمه بمعنى تقدمه {فَأَوْرَدَهُمُ النار} أدخلهم. وجيء بلفظ الماضي لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به فكأنه قيل: يقدمهم فيوردهم النار لا محالة يعني كما كان قدوة لهم في الضلال كذلك يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه {وَبِئْسَ الورد} المورد و{المورود} الذي وردوه شبه بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء وشبه أتباعه بالواردة ثم قال: وبئس الورد المورود الذي يردونه النار لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش والنار ضده {وَأُتْبِعُواْ فِى هذه} أي الدنيا {لَعْنَةً وَيَوْمَ القيامة} أي يلعنون في الدنيا ويلعنون في الآخرة {بِئْسَ الرفد المرفود} رفدهم أي بئس العون المعان أو بئس العطاء المعطى {ذلك} مبتدأ {مِنْ أَنْبَاء القرى} خبر {نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} خبر بعد خبر أي ذلك النبأ بعض أبناء القرى المهلكة مقصوص عليك {مِنْهَا} من القرى {قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} أي بعضها باق وبعضها عافي الأثر كالزرع القائم على ساقه والذي حصد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب {وَمَا ظلمناهم} بإهلاكنا إياهم {ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بارتكاب ما به أهلكوا {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءالِهَتَهُمُ} فما قدرت أن ترد عنهم بأس الله {التى يَدْعُونَ} يعبدون وهي حكاية حال ماضية {مِن دُونِ الله مِن شَئ لَّمَّا جَاء أَمْرُ رَبّكَ} عذابه و{لما} منصوب ب {ما أغنت} {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} تخسير. يقال: تب إذا خسر وتببه غيره أوقعه في الخسران يعني وما أفادتهم عبادة غير الله شيئاً بل أهلكتهم.


{وكذلك} محل الكاف الرفع أي ومثل ذلك الأخذ {أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القرى} أي أهلها {وَهِىَ ظالمة} حال من {القرى} {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} مؤلم شديد صعب على المأخوذ وهذا تحذير لكل قرية ظالمة من كفار مكة وغيرها فعلى كل ظالم أن يبادر التوبة ولا يغتر بالإمهال {إِنَّ فِى ذَلِكَ} فيما قص الله من قصص الأمم الهالكة {لآيَةً} لعبرة {لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة} أي اعتقد صحته ووجوده {ذلك} إشارة إلى يوم القيامة لأن عذاب الآخرة دل عليه {يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس} وهو مرفوع بمجموع كما يرفع فعله إذا قلت يجمع له الناس. وإنما آثر اسم المفعول على فعله لما في اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم. وإنه أثبت أيضاً لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا ينفكون منه يجمعون للحساب والثواب والعقاب {وذلك يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} أي مشهود فيه فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد.
{وَمَا نُؤَخّرُهُ} أي اليوم المذكور. الأجل يطلق على مدة التأجيل كلها وعلى منتهاها، والعد إنما هو للمدة لا لغايتها ومنتهاها، فمعنى قوله {وما نؤخره} {إِلاَّ لاِجَلٍ مَّعْدُودٍ} إلا لانتهاء مدة معدودة بحذف المضاف، أو ما نؤخر هذا اليوم إلا لتنتهي المدة التي ضربناها لبقاء الدنيا {يَوْمَ يَأْتِ} وبالياء مكي، وافقه أبو عمرو ونافع وعلي في الوصل، وإثبات الياء هو الأصل إذ لا علة توجب حذفها، وحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل ونظيره {مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] وفاعل {يأت} ضمير يرجع إلى قوله {يوم مجموع له الناس} لا اليوم المضاف إلى {يأت} و{يوم} منصوب باذكر أو بقوله {لاَ تَكَلَّمُ} أي لا تتكلم {نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} أي لا يشفع أحد إلا بإذن الله، {مَن ذَا الذى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255] {فَمِنْهُمْ} الضمير لأهل الموقف لدلالة {لا تكلم نفس} عليه وقد مر ذكر الناس في قوله {مجموع له الناس} {شَقِيٌّ} معذب {وَسَعِيدٌ} أي ومنهم سعيد أي منعم.


{فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِى النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} هو أول نهيق الحمار {وَشَهِيقٌ} هو آخره، أو هما إخراج النفس ورده، والجملة في موضع الحال والعامل فيها الاستقرار الذي في النار {خالدين فِيهَا} حال مقدرة {مَا دَامَتِ السماوات والأرض} في موضع النصب أي مدة دوام السماوات والأرض، والمراد سماوات الآخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة للأبد. والدليل على أن لها سماوات وأرضاً قوله {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات} [إبراهيم: 48] وقيل: ما دام فوق وتحت ولأنه لا بد لأهله الآخرة مما يقلهم ويظلهم إما سماء أو عرش وكل ما أظلك فهو سماء، أو هو عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع كقول العرب: ما لاح كوكب، وغير ذلك من كلمات التأبيد {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} هو استثناء من الخلود في عذاب النار، وذلك لأن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده بل يعذبون بالزمهرير وأنواع من العذاب سوى عذاب النار، أو ب {ما شاء} بمعنى من شاء وهم قوم يخرجون من النار ويدخلون الجنة فيقال لهم الجهنميون وهم المستثنون من أهل الجنة أيضاً لمفارقتهم إياها بكونهم في النار أياماً، فهؤلاء لم يشقوا شقاوة من يدخل النار على التأبيد، ولا سعدوا سعادة من لا تمسه النار، وهو مروي عن ابن عباس والضحاك وقتادة رضي الله عنهم {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ} بالشقي والسعيد {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ} {سُعدوا} حمزة وعلي وحفص. سَعد لازم وسعَده يسعَده متعد {فَفِى الجنة خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} هو استثناء من الخلود في نعيم الجنة وذلك أن لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وهو رؤية الله تعالى ورضوانه، أو معناه إلا من شاء أن يعذبه بقدر ذنبه قبل أن يدخله الجنة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الاستثناء في الآيتين لأهل الجنة» ومعناه ما ذكرنا أنه لا يكون للمسلم العاصي الذي دخل النار خلود في النار حيث يخرج منها، ولا يكون له أيضاً خلود في الجنة لأنه لم يدخل الجنة ابتداء، والمعتزلة لما لم يروا خروج العصاة من النار ردوا الأحاديث المروية في هذا الباب {وكفى به إثماً مبيناً} [النساء: 50] {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية كقوله: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الإنشقاق: 25] وهو نصب على المصدر أي أعطوا عطاء. قيل: كفرت الجهمية بأربع آيات {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ}. {أُكُلُهَا دَائِمٌ} [الرعد: 35] {وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96] {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33] لما قص الله قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحل بهم من نقمه وما أعد لهم من عذابه قال:

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13